ويكيبيديا، مصدر مشكوك فيه، ولكن أداة لقمع المخالفين بالرأي.

كاتب المقال:
المقال من موقع إرساليات الخلق الدولية:
Cover Image for: wikip

منذ انطلاقته، كان ويكيبيديا موقعأً مثيراً للجدل، يعاني من الكثير من المشاكل، وأكبرها هو القلق الحقيقي من المُحتوى المتحيِّز وغير الدقيق.1 وهذه ليست بمشكلة صغيرة للإنترنت بشكل عامّ، حيث أنَّ ويكيبيديا أصبحت تشكل مصدراً موَجهاً على كافّة الأصعدة تقريباً، حيث أنها تظهر كواحدة من أفضل النتائج في نسبة عالية جداً من عمليات البحث عبر غوغل.2

وفي الآونة الأخيرة، تعرّضت شركة غوغل للإحراج جرّاء العَثَرات التي أدَّت إلى أن نتائج البحث فيها قد قامت بأخذ البيانات بشكل مباشر من ويكيبيديا ووسمت الحزب الجمهوري في كاليفورنيا بأنهم نازيّين- وقد عَزت غوغل إلى ويكيبيديا تهمة ”التخريب المتعمد“.3 هذا فقط لإظهار مدى عُمق استخدام غوغل – محرّك البحث الأكثر استخداماً في العالم حالياً – للمعلومات الواردة في صفحات ويكيبيديا، والخطر المُتمَثِّل جراء ذلك.

إن ويكيبيديا تعج بالأكاذيب العلنية والتحيز ضد تعليم الخَلْق الكتابي [التوراتي]. وتعمل على تعزيز هذا التحيّز في جميع أنحاء العالم حيث تجد ويكيبيدياً توسّعاً مستمراً في استخدامها [كمصدر للمعلومات].

وجهة نظر محايدة؟

ويكيبيديا وبشكل مرجح تكون مصدراً ميئوساً منه، وغير متوازن بشكل رهيب في المقالات التي تتعامل مع مواضيع الله، والدين، ونظرية الخَلق.

تُدار ويكيبيديا وفقاً لمجموعة من المبادئ التوجيهية التي من المُفتَرَض أن تعمل على تنظيم كيفية إدارة المقالات على الموقع. ووفقاً لمبادئهم التوجيهية المُسَمَّاة ”وجهة النظر المحايدة“،

يجب أن يتم كتابة كل المحتويات الموسوعيّة التي يتم نشرها على ويكيبيديا من وجهة نظر محايدة (NPOV)، وهذا يعني أن يتم تمثيل جميع وجهات النظر المؤثّرة [المتعلّقة بالموضوع المطروح] بشكل متناسب وعادل، ومن مصادر موثوقة، مع محاولة الابتعاد عن التحيّز قدر الإمكان.

للتو يمكنك أن تلاحظ احتمالية التحيّز نظراً لاستعمال مصطلحات ذاتيّة التقدير (غير مُحدَّدة) مثل: ”المؤثّرة“ و”موثوق بها“. فمن هو الذي يُحدد ماهية وجهة النظر المؤثرة وموثوقيّة المصدر؟ حسناً، المحرّرون أنفسهم، كما اتضح، هذا يعني أنا وأنت، وبشكل أدقّ يعني أيَّ شخصٍ لديه جهاز كمبيوتر ومعرفة بكيفيّة تحرير [مواضيع على] ويكيبيديا. ولكن هنا النقطة التي يجب ملاحظتها: يُمكن لأي شخص إرجاع المعلومات التي قد يغيرها مُحرِّر آخر. وهذا يعني في النهاية أن المقالات تُمَثِّل “الإجماع“. وهذا أمر سيّء بحدّ ذاته، لأننا نعلم أن الحقيقة لا يتم تحديدها من خلال التصويت والإجماع، وأن ”الإجماع العلمي“ إنما هو ضدّ العِلم. والأمر هو أسوأ مما هو ظاهر، فمعظم مقالات ويكيبيديا لا يتم معاينتها أو تحريرها من قِبَل عدد كبير جداً من الأشخاص. وهنا ”الإجماع“ هو في الواقع مجرد إتّفاق عدد قليل نسبياً من الناس الذين – عن طريق المصادفة – صادف أن يكونوا الوحيدين الذين يتابعون صفحة معينة في وقت مُعيَّن. وهذا يُفضي إلى أن انه كلما كانت الصفحة أقلّ شعبية، كلما زاد احتمال احتوائها على أخطاء وتحيُّز، أو، بحسب تعبير ألكسندر هالافيس، خبير ويكيبيديا، ”ستكون المناطق [المواضيع] ذات الحركة العالية [عالية المشاهدة] هي الأنظف“.4

حتى المناطق ذات الكثافة المرورية [أي المواضيع المطروقة بكَثرة]، لن تكون خالية من التحيُّز وخاصة إذا كان الموضوع ذَا طابع خِلافيّ أو مثيراً للجدل. وبما أن القاعدة المطبقة في ويكيبيديا لإدارة المُحتوى الموسوعي هي غوغائية [أي أنه ليس من جهة مُتخصصة للإدارة]، فإن الرؤية السائدة لهذه الحشود هي التي ستحدد تحيُّز المقال. وإنه لمن السذاجة أن نتوقع من الناس أن يمارسوا الرقابة الذاتية عند التعامل مع موضوعات يعارضونها، مثل موضوع الخَلق التوراتي.

من هُم ”الويكيبيديّون“ [مُحرِّروا ويكيبيديا]؟

عندما يتم دراسة موضوع ”الغوغاء، الحَشْد“ للتعرف عليهم في ويكيبيديا، [ستجد] أنهم عبارة عن المجموعة الفرعية من الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ولديهم المعرفة عن ويكيبيديا ويهتموّن بما يكفي لإحداث التغييرات عليها – بالإضافة إلى ذلك لديهم الخبرة التقنية للقيام بذلك (لأن القيام بتعديلات على مواضيع ويكيبيديا يشبه إلى حدٍّ ما استخدام لغة برمجة). يا للعجب! فعندما تفكر في الأمر، إنها مجموعة متخصصة جداً، أليس كذلك؟ وهل نتوقع أن تناسب تلك المجموعة كلّ الفئات؟ بالغالب يكون المبتدئين من الجيل اليافع، ومعظمهم من الغربيِّين، وذلك كون الإنترنت هو في الأصل نتاج غربيّ، ولا يزال يسيطر عليه الغرب إلى حد كبير.

وكانت توقعاتي صحيحة بالنسبة للثراء. حيث أظهرت دراسة أُجريت عام ٢٠١٠ تتعلق المحررين في ويكيبيديا أن أكبر عدد من المحررين هو في الولايات المتحدة بنسبة (٢٠٪)، تليها ألمانيا (١٢٪) وروسيا (٧٪). والدولة الوحيدة التي كان لها موقع في ترتيب الدول العشر الأولى هي الهند (٣٪)، وهي بالطبع متأثرة بشكل قوي بالغرب كنتيجة للاستعمار البريطاني التاريخي هناك. ٥٩٪ من المحررين تتراوح أعمارهم بين ١٧ و ٤٠ عاماً.5

فإن كان محرروا ويكيبيديا يميلون لأن يكونوا من الشُّبان الغربيّين، فما هي التحيُّزات التي نتوقع العثور عليها. نحن نعلم أن الشبان في الولايات المتحدة يميلون بشكل متزايد إلى التخلي عن الدين.6 وهذا الميل هو أكثر شِدَّةً في أوروباـ والتي توصف بأنها في مرحلة بعد المسيحيّة أو [المسيحية سابقاً].7 والإتجاه السائد بين الشبان في الولايات المتحدة هو قُبول الداروينية ورفض الخَلق الكتابي وهذا وفقاً لتقرير مركز بيو للأبحاث (وفقاً لمراسل واحد، ”…اذا سألت شابّاً أمريكياً كيف نشأ الإنسان، فمن الغالب أنك ستحصل على إجابة لا علاقة لها بالله“).8

تحيُّز، تحيُّز، تحيُّز!

هذا كلّه يُجمع ليعطي حقيقة صارخة ومُحزنة: بأنّ ويكيبيديا وبشكل مرجح تكون مصدراً ميئوساً منه، وغير متوازن بشكل رهيب في المقالات التي تتعامل مع كل من مواضيع الله، والدين، وعلم الخَلق الكتابي. وأثناء البحث في بعض الصفحات والمواضيع ذات الصِّلة، وجدت بعض الأمثلة الغريبة والفاضحة فيما يتعلق بهذا. ففي قسم الإرشادات العامة لويكيبيديا حول ”نظرية الحدود“9، نقرأ التالي:

”يعتمد العلم المُزيَّف عادة على مهاجمة النظريات والمنهجيات العلمية السائدة بينما هو نفسه يفتقد الخطاب النقدي (كما هو شائع بالنسبة للخلق الكتابي)“ [تشديد شخصي على هذه النقطة]10

لم يحاولوا حتى تقييد الموضوع، بل ادّعوا أن الخلق هو علم مزيَّف. إن الخلقيّين لا ينقصهم الخطاب النقدي. فجميع المقالات على هذا الموقع، على سبيل المثال، تخضع لعملية مراجعة القرائن. بالإضافة إلى ذلك، ينشر الخلقيون في المجلات التي تتعرض للمراجعة بالقرائن مثل مجلّة الخلَق، ويذهبون إلى الجلسات المشتركة مثل المؤتمر الدولي حول الخَلق، حيث تُجادَل الأفكار وتُناقش، بالإضافة إلى طُرق أخرى. كما أن الخلقيِّين ينشرون في الدوريات العلمانية التي تتعرض للمراجعة بالقرائن أيضاً!11

إن ويكيبيديا وبشكل علنيّ وصارخ تقوم بتصنيف نظرية الخلق في الكتاب المقدس على أنها ”علم مزيَّف“:

”إن علم الخلق هو علم مزيف يحاول وضع الحقائق العلمية في إطار يوافق الكتاب المقدس. وينظر إليه علماء الأحياء المتخَصِّصين على أنه غير علميّ، وحتى على أنه زيف خادع ومضَلِّل، ويحمل عواقب تعليمية ضارَّة للغاية.“12

إن هذا المستوى من التحيّز والتحريف يكاد يتجاوز حدود الكلمات. ومن المؤسف أن يصدر هذا عن مصدر المعلومات الأكثر استخداماً على الإنترنت، ولكن هذا الواقع الذي يجب أن نتواجه معه في القرن الواحد والعشرين. فالكلمات التي تم تقديمها هنا تشير إلى عدم وجود أي علماء متخصِّصين يدعمون ويشاركون في علوم الخلق- وهذا أدّعاء خاطئ تماماً.

الأيديولوجية هي محفّز كبير

وفقاً لسياسة ويكيبيديا المتعلقة بالحيادية، ”يجب ألا تأخذ المقالات جانباً معيناً، إنما أن تقدِّم الجوانب كافةً، بشكلِ منصف وبدون تحيّز تحريريّ. وهذا يجب أن ينطبق على ما تقوله [تُقدِّمُه] وعلى طريقة قوله“13 ومع ذلك ، وفقاً لدراسة من عام ٢٠٠٧، كانت ”الأيديولوجية“ من بين الدوافع الأكثر شيوعاً لتحرير مقالات ويكيبيديا.14 ومن الواضح أن هنالك تضارباٌ كبيراً في المصالح إذا كان الناس عادةً يقومون بإجراء تعديلات على ويكيبيديا لدوافع أيديولوجيّة، وهذا يناقض سياسة الحياد المُعلنة في ويكيبيديا. وكما هو متوقّع، فإن النتيجة هي انتشار التحيّز في المقالات التي تُنشَر على الموقع. يتوجب على المسيحيّين المشاركة في النقاش عبر الإنترنت من خلال أخذ دور في تحرير المقالات المنشورة على ويكيبيديا لإزالة حالات التحيُّز الواضحة.

إن الرد المناسب على هذا الموضوع يتضمن شقين: أولاً، ينبغي على المسيحيِّن والمؤمنين بالخلق الكتابي أن يمارسوا ضغطاً كلما أمكن ضد التحيّز الواسع الإنتشار على ويكيبيديا وتنبيه الآخرين إلى وجوده. وإلا كيف يمكننا أن نأمل في رؤية تغيُّر إيجابي؟ ينبغي أيضاً على المسيحيّين المشاركة في النقاش عبر الإنترنت من خلال المشاركة في تحرير مقالات ويكيبيديا لإزالة حالات التحيّز الواضحة (ولكن دون محاولة تقديم تحيّز مؤيّد للمسيحية في النص الذي نقدمه كبديل).

من ناحية شخصيّة، قمت بإثارة ضجة في ويكيبيديا حول صفحة السيرة الذاتية لجوناثان سرفاتي، بما في ذلك اقتباس تشهيريّ من أوجيني سكوت حيث تم الإدعاء بأن كتاب ”دحض التطوُّر ٢“ هو عبارة عن ”عيّنة بدائية للدعاية“.15 ولاختصار القصّة الطويلة، انتهى بي الأمر بأن حُظِرت لأجل غير مسمى على الحساب المُستخدم، وقال أحد محرري ويكيبيديا التالي (وهو اعتراف واضح وصريح بالتشهير والتمييز الهادفين):

”لا يوجد أي فرصة في أن ويكيبيديا ستتعامل مع العلماء الكاذبين الذين يؤمنون بأن كل شي قد خُلِقَ في سبعة أيام حرفيّة منذ ١٠٠٠٠ عام بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع العلماء الحقيقيَّيْن- علماء الفلك، الفيزيائيّين، الجيولوجيّين، علماء الأحافير، الخ – الذين لديهم أدلّة قوية على أن الأرض أكبر من ذلك بكثير“16

بالتأكيد، هذا التعليق يُظهر جهلاً بالحساب التوراتي عينه، لأن الله خَلَقَ في ستة أيام، وليس سبعة أيام. بالإضافة إلى ذلك، لقد وقع بمغالطة ”ليس من إسكتلندي حقيقي [No True Scotsman]“ المنطقية من خلال التأكيد على أن العلماء الخلقيِّين ليسوا علماء ”فعليّين“.17

ثانياً، يجب أن يُفهم بشكل واضح أن ويكيبيديا ليست مصدراً جيداً للمعلومات، وخاصَّة في المواضع الأقل شهرة والمواضيع المثيرة للجدل. هذا لا يجعل منها عديمة الفائدة. فعلى سبيل المثال، لقد وجدت ويكيبيديا مصدراً جيداً للمصادر الأخرى. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون هذا طريقاً مختصراً رائعاً للعثور على الصفحات والأوراق البحثية والكتب ونحوه مما يتعلق بالموضوع محلّ الاهتمام.

مراراً وتكراراً تم توثيق وجود معركة مستمرة في الأوساط الأكاديميّة وفي وسائل الاعلام لمحاولة اسكات كل الأصوات المُعارضة للداروينيّة. ولأن ويكيبيديا تُقاد بالإجماع (حكم الأغلبية، وهو ما يعرف حالياً بحكم الغوغاء)، فإنها تُعاني من جميع المشاكل التي عادة ما تُعاني منها أنظمة الحُكم المشابهة، مثل ”استبداد الأغلبية“، حيث تعمل هذه الأغلبية ضد مصالح الأقليّات.18

إن المشاكل التي تعاني منها ويكيبيديا هي مجرد عارض من أعراض الصِّراع الأكبر المُستمر منذ فترة تسبق تواجد ويكيبيديا نفسها. وبمعونة الله، دعونا نقوم بدورنا بتقديم والدفاع عن الحقيقية التي يحملها الكتاب المقدس وإنجيل يسوع المسيح للعالم، وذلك بكلّ وسيلة ممكنة.


مراجع

  1. Fletcher, D., A Brief History of Wikipedia, content.time.com, 18 August 2009.
  2. Petrilli, M., Wikipedia or Wickedpedia? Assessing the online encyclopedia’s impact on K-12 education, educationnext.org, 2008.
  3. Grunin, L., Wikipedia says vandals caused Google to display Nazism as GOP ideology, cnet.com, 1 June 2018.
  4. See ref. 2.
  5. Glott, R., Schmidt, P., Ghosh, R., Wikipedia Survey - Overview of Results, UNU-MERIT, 28 August 2011; quoted at Wikipedia:Wikipedians, en.wikipedia.org, Accessed 6 June 2018.
  6. Jones, Robert P., Daniel Cox, Betsy Cooper, and Rachel Lienesch. “Exodus: Why Americans Are Leaving Religion – and Why They’re Unlikely to Come Back”, PRRI.org, 22 September 2016.
  7. Sherwood, H., ‘Christianity as default is gone’: the rise of a non-Christian Europe, theguardian.com, 20 March 2018.
  8. Gross, R., Evolution Is Finally Winning Out Over Creationism, slate.com, 19 November 2015.
  9. تعتمد النظرية هذه على الإجماع العام للمراقبين بغضّ النظر عن الخبرة أو العدد، أو يمكن اعتبارها انعكاس للقبول العام.
  10. Wikipedia:Fringe theories, en.wikipedia.org, Accessed 6 June 2018.
  11. For one example of this, which confirms the predictions of Sanford’s Genetic Entropy, See Carter, R. and Sanford, J., A new look at an old virus: patterns of mutation accumulation in the human H1N1 influenza virus since 1918, Theor Biol Med Model., 2012 Oct 12, doi: 10.1186/1742-4682-9-42
  12. Creation science, en.wikipedia.org, Accessed 6 June 2018.
  13. Wikipedia:Neutral point of view, en.wikipedia.org, Accessed 7 June 2018.
  14. Nov, O., What Motivates Wikipedians?, Communications of the ACM, 2007, 50 (11): 60–64, doi:10.1145/1297797.1297798; quoted at Wikipedia:Wikipedians, en.wikipedia.org, Accessed 6 June 2018.
  15. See Jonathan Sarfati, en.wikipedia.org, accessed 11 June 2018.
  16. Comment from user ‘Guy Macon’, Talk:Jonathan Sarfati, en.wikipedia.org, accessed 11 June 2018.
  17. مغالطة ليس من إسكتلندي حقيقي، بالتعريف من موقع logicalfallacies.info هي ”شكل من أشكال الجدل الدائري، مع الافتراض بأن الاعتقاد القائم هو صحيح وذلك من أجل رفض أي أمثلة مضادة وواضحة له. وبذلك يصبح هذا الاعتقاد غير قابل للنقض.“
  18. See Tyranny of the Majority: Definition & Examples, study.com, Accessed 7 June 2018