الإعتراض ٢٤٣، هل كانت أولى عظات يسوع على الجبل أم أنها كانت في السهل؟

Cover Image for: objection243

يعتقد الناقد أن متى ٥: ١-٣ تقول بأنها كانت على الجبل في حين أن لوقا ٦: ١٧، ٢٠ تقول أنها كانت في السهل.

وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. متى ٥: ١-٣

وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، الَّذِينَ جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ، … وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ:«طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ. لوقا ٦: ١٧، ٢٠

لقد فشل الناقد في القيام بقراءة أمينة للنصوص التي قام بتقديمها، إن موعظة يسوع التي اشتملت على التطويبات كان قد ألقاها على الجبل، وهذا هو السبب الذي جعلها تشتهر تحت مُسمى ”الموعظة على الجبل“ (متى ٥: ١-٣).

يُحاول البعض من الأشخاص أن يقوموا بتفسير هذا الإختلاف بين السردين من خلال الإدعاء بأنَّ كاتِبَي السردَيْن الإنجيليّيَن كانا يصفان حادثتان مُختلفتان، إلا أنَّ هذا التفسير لا يقدم إجابةً معقولةً ومنطقية، وذلك يرجع إلى أنَّ الأحداث التي سبقت أو تلت هذه العظة الموصوفة في السردين المذكورين متوافقة، وقد وقعت في منطقة جغرافية واحدة، واشتملت على ذات المجموعة من الأشخاص. وبالتالي فإن هذا السيناريو بعيد الإحتمال.

إن تفسير هذا التباين في السرد سيكون أمراً سهلاً عند قراءة النصوص بطريقة دقيقة وامينة وضمن سياقها دون اقتطاع أو اجتزاء.

كان متى قد اختزل تحركات الرب يسوع ونشاطاته في الفترة المرافقة لإلقاء الموعظة - والتي يُمكن أن تكون قد امتدت لفترة ليست بقصيرة - وبعد أن قدَّم التقرير المُختصر، قال عن يسوع بأنَّه ”صعد إلى جبل“. في المقابل نجد أن لوقا ينقل تفاصيل إضافية عن الأحداث التي جرت في الليلة التي سبقت إلقاء الموعظة المذكورة، ومن ثمَّ يضيف في الآيتين ١٣، ١٧ من الإصحاح السادس قائلاً:

وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً»: … وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، لوقا ٦: ١٣، ١٧

وبالتالي فإن الإجابة على هذا الإعتراض ليست على درجة من الصعوبة، فالأحداث ليست متعارضة إنما متكاملة وتنقل لنا الصورة الإجمالية التي تقول بأنَّ يسوع كان قد صَعِدَ ليلاً إلى الجبل ليصلي، ومن ثمَّ في صباح اليوم التالي اختار تلاميذه الإثني عشر، ونزل بعد ذلك معهم إلى موضع سهل حيث قدَّم عظته المشهورة. إنَّ متى قد أبدى اهتماما بتفاصيل معينة من تلك الأحداث، حيث نجد تسجيلاً مُطولاً لتفاصيل كلمات يسوع في الموعظة، في حين أن لوقا كان قد أبدى اهتماماً بالأحداث المرافقة حيث سجل صلاة يسوع  وحَدَثْ اختيار التلاميذ ومن ثمَّ الموعظة وقدَّم بذلك حيثيّات كان قد أغفل متى عن ذكرها.

إن هذا التباين في التفاصيل المُسجَّلة يُظهر أنَّ الكُتَّابَ كانوا مُستقلّين بعضهم عن بعض في تسجيلاتهم التي دوّنوها تحت إرشاد الروح القدس الذي قادهم ليكتبوا تلك الكلمات عينها التي أراد منهم أن يكتبوها بأسلوبهم ولغتهم الخاصّة لينتجوا في نهاية المطاف سرداً متكاملاً ينقل لنا ما نحتاج معرفته عن حياة يسوع وخدمته الأرضية إلى قيامته وصعوده إلى يمين الآب.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.