الإعتراض ٢٥٨، كم هو مِقدار القوة التي كان يسوع قد امتلكها؟

Cover Image for: objection258

إن ما يرد في متى ٢٠: ٢٣، مرقس ٦: ٥ يشير إلى أنَّ سلطانه وقوته كانا محدودين، في حين أن ما يرد في متى ٢٨: ١٨ يشير إلى أنَّه قوَّته وسلطانه كانا مُطلَقَيْن.

فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي». متى ٢٠: ٢٣

وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ. مرقس ٦: ٥

فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً:«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، متى ٢٨: ١٨

لقد وقع الناقد في مغالطة النطاق الدلالي بالإضافة إلى الفشل في التحقق من اللغة الأصلية وكذلك تجاوز السياق النصي للآيات.

وفق التقاليد العبرية، حين يكون من غير الملائم القيام بأمر ما فإنَّه من المُعتاد القول ”أنا لا أستطيع القيام بذلك“ وكمثال على ذلك نجد التكوين ١٩: ٢٢، ٣٧: ٤. ونحن نستخدم ذات الأسلوب اللغوي في اللغة العربية وكذلك في الإنجليزية.

أَسْرِعِ اهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ الْمَدِينَةِ «صُوغَرَ». التكوين ١٩: ٢٢

فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ. التكوين ٣٧: ٤

فلنتخيل رد أحد الأشخاص الذين يُعانون من صعوبات في هضم مشتقات الحليب (اللاكتوز) حين يتم تقديم كوزٍ من المثلجات. قد يكون ردّه كالتالي: ”لا شكراً لك، أنا لا أستطيع أن أتناول مُشتقات الحليب.“ هل يعني هذا النوع من الردود أن الشخص فاقد للمقدرة على الإمساك بكوز المُثلجات وقَضمِهِ ومن ثمَّ ابتلاع المُثلَّجات؟ بالطبع لا. إن ما يعنيه هذا النوع من الإجابات هو أنَّه من غير المُناسب له أن يقوم بذلك الأمر، وذلك يرجع إلى العواقب الصحية غير الحميدة التي قد يحملها ذلك  الأمر.

بطريقة مشابهة لما سبق، حين ”لم يَقدِر“ يسوع على القيام بالمعجزات في قريته الأم (مرقس ٦: ٥)، لم يكن ذلك الأمر ناجماً عن عدم وجود المقدرة لديه؛ بل بالحَرِيّ، لم يكن من الملائم له أن يقوم بمباركة هؤلاء المُعاندين وغير المؤمنين (مرقس ٦: ٦).

وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. ثُمَّ أَخَذَ يَطُوفُ بِالْقُرَى المُجَاوِرَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ. مرقس ٦: ٦

كذلك كان الحال حين تقدم ابني زبدي وأمهما إلى يسوع طالبين أمراً غير ملائم في أن يجلسا عن يمينه وعن يساره في ملكوته (متى ٢٠: ٢١-٢٣). إن ”عدم قدرة“ يسوع على إعطائهما ذلك الأمر كان ناجماً عن طبيعته الخاطئة وليس ناجماً عن عدم امتلاكه للسلطان والقدرة. إن يسوع كان قد امتلك كل سلطان مما في المساء وما على الأرض (متى ٢٨: ١٨). ولكنه، وبوصفه الإله المتجسد، فإنه كان عاجزاً عن إنكار ذاته (تيموثاوس الثانية ٢: ١٣).

٢١ فَقَالَ لَهَا:«مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ:«قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ». ٢٢ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ:«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ:«نَسْتَطِيعُ». ٢٣ فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي». متى ٢٠: ٢١-٢٣

إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ. تيموثاوس الثانية ٢: ١٣

وبالتالي فإنَّه لم يكن من المُمكن ليسوع أن يقوم بتأدية أي عمل خاطئ. هذا الأمر لم يكن ناجماً عن عدم وجود القدرة أو السلطان، بل إنما هو ناجمٌ عن حقيقة اللاهوت الكامل ليسوع.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.