الإعتراض ٢٦١، هل يُمكن التَّعرف على الله من خلال المنطق وحده؟

Cover Image for: objection261

يقول الناقد أنه يوجد تناقض بين رسالة رومية ١: ٢٠ التي تقول أنَّ الأمر مُمكن، وبين سفر أيوب ١١: ٧ التي تقول بخلاف ذلك.

لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. رومية ١: ٢٠

أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ أيوب ١١: ٧

لقد فشل الناقد في القيام بقراءة هذه الآيات ضمن سياقها. إن الإجابة على التساؤل المطروح هي: لا. لا يُمكن أن يتم التعرف على الله وإدراكه دون الإعلان الإلهي (ذلك لأن البشر يعجزون عن معرفة أي شيء دوناً عن الإعلان الإلهي - انظر (الأمثال ١: ٧ كولوسي ٢: ٢-٣(.

مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ. الأمثال ١: ٧

لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ الْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ، الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ كولوسي ٢: ٢-٣

إن الآية الواردة في رسالة رومية ١: ٢٠ متوافقة بشكل كامل مع هذا التعليم وذلك بشرط أن تتم قرائتها ضمن السياق النصي التي ترد فيه وذلك انطلاقاً من الآية الثامنة عشر.

لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، رومية ١: ١٨-١٩

إن ما يرد في رسالة رومية ١: ١٨-١٩ هو تعليم يفيد بأنَّ الله قد أعلن عن ذاته لجميع البشر. وهذا هو السبب الذي يجعلنا عاجزين عن التَذَرُّع بالجهل أو الإدعاء بأن لا نمتلك المقدرة على معاينة عمل الخالق المُبدع حين ننظر إلى الخليقة (وهو ما يرد في رومية ١: ٢٠).

أما الآية الواردة في سفر أيوب ١١: ٧ فهي تنقل لنا بشكل دقيق لا لبس فيه أقوال صوفر النَّعماتِي الذي كان يتساءل بشكل بلاغيّ عمّا إذا من المُمكن للإنسان أن يستكشف أعماق الله؛ إلا أنَّ هذا السؤال غير مرتبط بالإعتراض المطروح الذي يختص بمعرفة الله بالإعتماد على المنطق المنفرد.

وفي الخلاصة، إن ما يرد هنا لا يتناقض مع ما سبق وتم تقديمه في رسالة رومية ١: ٢٠.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.