الإعتراض ٢٦٣، هل كان اللِّصان يُعَيِّران بيسوع ويستهزءان به؟

Cover Image for: objection263

يقول الناقد بوجود تناقض بين السرديات الإنجيلية معتقداً بأن كل من مرقس ١٥: ٣٢ ومتى ٢٧: ٤٤ تقولان نعم، في حين أنَّ لوقا ٢٣: ٣٩-٤٢ تقول بأنَّ واحد من بينهما فقط من كان يقوم بتعيير يسوع والإستهزاء به.

لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ مِنْ عَلَى الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ!» وَعَيَّرَهُ أَيْضاً اللِصَّانِ الْمَصْلُوبَانِ مَعَهُ. مرقس ١٥: ٣٢

وَكَانَ اللِّصَّانِ الْمَصْلُوبَانِ مَعَهُ يَسْخَرَانِ مِنْهُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلامِ! متى ٢٧: ٤٤

وَأَخَذَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْرِمَيْنِ الْمَصْلُوبَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ؟ إِذَنْ خَلِّصْ نَفْسَكَ وَخَلِّصْنَا!» وَلكِنَّ الآخَرَ كَلَّمَهُ زَاجِراً فَقَالَ: «أَحَتَّى أَنْتَ لَا تَخَافُ اللهَ، وَأَنْتَ تُعَانِي الْعُقُوبَةَ نَفْسَهَا؟ أَمَّا نَحْنُ فَعُقُوبَتُنَا عَادِلَةٌ لأَنَّنَا نَنَالُ الْجَزَاءَ الْعَادِلَ لِقَاءَ مَا فَعَلْنَا. وَأَمَّا هَذَا الإِنْسَانُ، فَلَمْ يَفْعَلُ شَيْئاً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ!» ثُمَّ قَالَ: «يَا يَسُوعُ، اذْكُرْنِي عِنْدَمَا تَجِيءُ فِي مَلَكُوتِكَ!» لوقا ٢٣: ٣٩-٤٢

يُظهر هذا الإعتراض أن الناقد لم يقم بالتمييز بين الأزمنة المُختلفة، بالإضافة إلى عدم القيام بالقراءة الدقيقة والأمينة للنصوص.

يُشير لوقا في ٢٣: ٣٩-٤٢ إلى أن أحَّد اللصين كان يقوم بتعيير يسوع وتوجيه الإهانات له، في حين أن اللص الآخر كان تائباً وطلب المغفرة. إلا أن مرقس ومتى أشارا إلى أن أولئك [بصيغة الجمع] اللذين صُلِبوا مع يسوع كان يقومون بتوجيه الإهانات والتعييرات له.

فهل نجح الناقد في العثور على تناقض فيما بين السرديات الإنجيلية؟

بالطبع لا. من المنطقي والمُتَوَقَّع أنّ اللصان الذان صُلِبا مع يسوع كانا يقومان بتعييره في بداية الأمر، وفي وقت لاحق قدَّم لصُّ اليمين اعترافاً بسلطان يسوع مُظهراً بذلك توبته النصوحة. (إن هذا الأمر ليس بمستغرب، أحد الأمثلة الأكثر وضوحاً هي قصة اهتداء شاول الذي كان يضطهد الكنيسة، وكان راضياً برجم استفانوس، ومن ثمَّ قام الربّ بتغيير قلبه من خلال مُعجزة الولادة الثانية التي جرت على طريق دمشق، وأصبح بعد ذلك بولس، المُبَشِّرَ الذي دوَّن لنا الجزء الأكبر من أسفار العهد الجديد). لم يقم الناقد بأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار، بل افترض أن جميع هذه الأحداث قد وقعت في وقت واحد وبشكل آنيّ أو لَحظيّ.

علاوة على ما سبق، إن نظرنا إلى أسلوب الكتابة المُختلف بين لوقا وبين متى ومرقس اللذان كانا يدونان وفق الأسلوب العبري الذي يستخدم أسلوباً بلاغياً يُعرف تحت مُسمَّى ”المجاز المُرسَل“ وبالأخص العلاقة الكُلّية للمجاز المُرسَل، حيث يتم استخدام الكُلِّ في حين أن المُراد هو الجزء، حيث يتم استخدام الجمع بطريقة بلاغية للتعبير عن الفرد. إن عبارة ”كان الناس يهتفون فرحاً“ لا تعني بالضرورة أن كُلَّ فرد من أفراد الجماعة المعنيّة كان يصرخ، بل إن وجود عدد من الأفراد يصرخون هو أمر كافٍ لتكون العبارة صحيحة. أو حين نقول أن إحدى الدول تحصَّلت على عدد من الجوائز والميداليات في إحدى البطولات الدولية كالأولمبياد مثلاً، إن الأفراد الذين مَثَّلوا تلك الدول هُم من تحصّلوا على الميداليات، إلا أن الأفراد كانوا مُمثلين للدولة، فتمَّ استخدام الكُلِّ للإشارة إلى الجزء. وبالتالي فإنه من المُمكن أن يكون أحد اللصين قد مثَّل كليهما، أي أنَّه تمَّ استخدام صيغة الجمع بطريقة بلاغية للإشارة إلى الفرد. إلا أنَّ النّاقد قد تجاهل هذا الأمر وصرف النظر عنه بطريقة تعسّفية.

إن ما تمَّ تقديمه في السرديات الإنجيلية المُشار إليها هو أمر متوافق ولا يحمل أيّ نوع من أنواع التناقض، وذلك إن قمنا بقراءة النص ضمن صيغته الأدبية وضمن سياقه التاريخي واللغوي


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.