يسوع العملاق والصليب الناطق: دراسة في إنجيل بطرس.

كاتب المقال:
Cover Image for: thegospelofpeter
يُمكنكم الحصول على هذا الكتاب من خلال إحدى المنصات التالية:

مقدمة

في العام ١٨٨٦، تم العثور على انجيل بطرس من قِبَل عالم الآثار الفرنسي أوربان بوريان (Urbain Bouriant)، وذلك في مدينة أخميم المصرية. يتموضع هذا المكان في نطاق عشرة أميال من نجع حمادي، الذي تحول بعد ذلك التاريخ بنحو٦٠ عام إلى مكان اكتشاف أكبر مجموعة وثائق غير قانونية (لا تنتمي إلى الأسفار الكنسية/المقنَّنة). تمَّ تأريخ المخطوطات إلى الفترة التي ترجع إلى القرنين الثامن والتاسع وذلك بناءً على شكل الكتابة المستخدمة. تمَّ العثور على المخطوطات أثناء عملية تنقيب، وقد كانت مدفونةً في قبر مع راهب مصري. يختلف العلماء حول ما إذا كانت المخطوطات قد دُفِنَت في ذات الوقت مع الراهب أو أنها وُضِعَت في القبر في وقت لاحق. إن تحليل الخط الذي تمَّ استخدامه في المخطوطة يُظهر أنَّ عُمر المخطوطة هو أحدث من عُمر المقبرة. إلا أنه لم يكن أمراً غير مألوف في تلك الأيام أن يتم دفن الأشخاص برفقة كتبهم المفضلة.

تتكون قصاصة المخطوطة من أربعة عشر قسماً مقسّمةً إلى ستين آية. ويبتدئ هذا السرد الناجي من محاكمة يسوع أمام هيرودس وبيلاطس. ويتناول محاكمة يسوع والموت والدفن والقيامة. لقد تم تصنيف هذه الكتابات من قِبَل البعض من الدارسين على أنها هرطوقية، في حين وصفها البعض الآخر بأنها غير دقيقة تاريخيّاً. ويقول سيرابيون [الإنطاكي] (١٩٠-٢٠٣) عن انجيل بطرس: ”معظمه يتحدث عن التعليم الصحيح للمخلص، إلا أنَّ بعض الأجزاء قد تشجع المستمعين لها على الوقوع في الهرطقة الدوستية“.

إن الهرطقة الدوستية (Docetism) هي تعليم غنوصي يتعلق بالجسد المادي ليسوع. لقد اعتقدوا بأنَّ جسد المسيح لم يكن جسداً بشرياً إنما كان شبحاً، أو أنَّه كان حقيقياً ولكن من طبيعة سماوية، وبالتالي فإنَّ آلامه كانت ظاهرية. السبب الذي يدفع البعض إلى ربط هذا السفر بالهرطقة الدوستية هو نتيجة للتصريح الذي يُعطى عن يسوع المصلوب في الآية العاشرة، ”لكنه بقي صامتا، كما لو أنَّه لم يشعر بأي ألم.“

أنا لا أنظر إلى هذا السفر على أنَّه هرطوقي بقدر ما أنظر إليه على أنه غير دقيق من الناحية التاريخية. ويتم تقديم هذا التقييم بناءً على أننا لا نمتلك بقية أجزاء السفر التي تضررت وضاعت عبر التاريخ. نحن نعرف أن رسالة اكليمندس الثانية تقتبس منه وبالتالي فإنها تحفظ لنا ثلاثة آيات إضافية. فنقرأ في رسالة اكليمندس الثانية ٥: ٢-٤ ”إذ يقول الرب: ستكونون مثل حملان بين ذئاب. أجابه بطرس قائلاً: ”ماذا يكون إذا مزّقت الذئاب الحملان إربًا؟ قال يسوع لبطرس: الحملان بعد موتها لا تخاف الذئاب، هكذا أنتم، لا تخافوا من الذين يقتلونكم وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر؛ بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنّم النار.“

لا بد من التصريح بأنَّ رسالة اكليمندس الثانية تعتبر هي الأُخرى مزورة (منحولة) فيما لو قارناها برسالة اكليمندس الأولى. كما أنَّ يوسابيوس الذي ربط بين رسالة اكليمندس الأولى واكليمندس نفسه ككاتب لها، قال عن الرسالة الثانية التالي: ”ويجب أيضا معرفة أنه توجد رسالة ثانية لاكليمندس. ولكننا لا ننظر إلى هذه على أنها جديرة بالملاحظة مثل السابقة، لأننا لا نعرف أن أيَّ شخص من السابقين قد أشار إليها.“

قد تشير الأدلة أيضاً إلى أنَّ انجيل بطرس هو مزور، ذلك أننا نجد الكاتب يدَّعي بأنَّه بطرس وذلك في  وسط المخطوطة (بشكل غير مباشر) ومرة أُخرى في نهاية المخطوطة (بشكل مباشر).

حين قمت بالعمل على نسختي الخاصة من المخطوطة، توقفت عندما وصلت إلى العدد السادس والعشرين حين رأيت ضمير المتكلم ”أنا“ (ἐγώ). إن الأمر غير معتاد بالنسبة لكتاب الأناجيل القانونية أن يستخدموا ضمير المتكلم للإشارة إلى أنفسهم في السرد. يوحنا يشير إلى نفسه عادةً باستخدام ”التلميذ الذي كان يسوع يُحبه“، في حين أن متى قد حاول تجنب ذكر نفسه بشكل كامل في كلّ السرد. في نهاية العدد ٦٠ نقرأ النص التالي: ”ولكن أنا سمعان وأخي أندراوس، أخذنا شباكنا وانطلقنا إلى البحر…“

إن هذا التأكيد إنما هو مستبعد وغريب وذلك إن أخذنا بعين الإعتبار أن معظم الدارسين يؤرخون هذا السرد إلى بداية القرن الثاني. هذا سيجعل من انجيل بطرس كتابةً مزورةً؛ وهو ما يعني ببساطة أن الكتابة تحتوي إسم مؤلّف لم يقم بتأليف النص. يؤرّخ بارت إيرمان النص إلى بدايات القرن الثاني ويعتقد أنَّه قد تمَّ جمعه بناءً على التقليد الشفهي المتناقل عن يسوع، وذلك بشكل مستقل عن الأناجيل القانونية. البعض الآخر من أمثال ريموند براون يوافق على هذا التقييم القائل بأنَّ المؤلف الأصلي كان يكتب السرد من ذاكرته عوضاً عن النسخ من مخطوطة سابقة (مبكرة). لقد وضع فكرة مفادها أنَّ النص مبني على ما كان يتذكره المؤلف عن الأناجيل الأُخرى، بالإضافة إلى لمسته الخاصة. بناءً على المقارنة والكتابة، إنني أوافق كلّاً من إيرمان وبراون في تقييمهما هذا.

الإختلافات الرئيسية عن الأناجيل القانونية

إن إحدى السمات البارزة في انجيل بطرس هي كمّ الملامة الذي يتم إلقاؤه على اليهود في صلب المسيح. على الرغم من صحة هذا الإدعاء في الأناجيل القانونية، فإنَّه يتم بشكل عملي حجب الملامة عن بيلاطس في هذه الكتابة. ونجد أن محاكمة يسوع يتم تقديمها هكذا:

”١ … لكن لم يغسل أحد من اليهود يديه، ولا حتى هيرودس، ولا أي من القضاة. وبما أنهم لم يشاؤوا أن يغسلوا أيديهم، قام بيلاطس، ٢ ومن ثمَّ أمرَ هيرودس الملك أن يتم اقتياد الربّ بعيداً، قائلاً لهم: ’ما أمرتكم أن تفعلوا، اذهبوا افعلوه‘ “.

لقد غسل بيلاطس يديه من الأمر، ولكن لا هيرودس ولا القضاة ولا أحد من اليهود أراد أن يفعل ذلك. في الحقيقة إن هيرودس قد أعطى الأمر بالإعدام في هذا السرد، وليس بيلاطس (قارن مع ما يرد في مرقس ١٥: ١٥). يمكن أن تتم ملاحظة هذه الملامة نحو اليهود بشكل متسق خلال النص. وعند تقييم رد فعلهم بعد الصلب، نجد أنَّه يتم تسجيل أن الكثير منهم شعروا بالذنب والخوف مما قد يتبع. فلننظر إلى استجابتهم المسجلة في العدد ٢٥ الذي يحمل الكلمات التالية:

”بعد أن أدرك الكثير من اليهود والشيوخ والكهنة الشر الذي كانوا قد فعلوه لأنفسهم، ابتدأوا ينوحون قائلين: ’الويل من أجل خطايانا! لقد اقتربت الدينونة ونهاية أورشليم‘“.

لابد من الإشارة إلى أنَّه على اعتبار أنَّ الكاتب قد سجَّل عن اليهود قولهم باقتراب ”نهاية أورشليم،“فإن هذه قد تكون نقطة قيّمة  للإشارة إلى دمار مدينة أورشليم الذي وقع في العام ٧٠م. إنه من الممكن للكاتب أن ينظر إلى الخراب ويربطه مع خطايا اليهود في صلب ابن الله. قد يكون هذا الأمر تلميحاً إلى أنَّ الإنجيل قد كُتِبَ بعد العام ٧٠ ميلادي وليس قبله، وهو الأمر الذي يدحض نظرية جون كروسّان التي تقول بأنَّ انجيل بطرس هو أول السرديات الإنجيلية.

الإختلاف القيّم الثاني هو أنَّ يوسف (وهنا يُفترض أن يكون هو يوسف الذي من الرّامة) قد طلب جثمان يسوع قبل الصلب. لاحظ كيف ينقل لنا انجيل بطرس هذا السرد في العدد الثالث:

”وكان يوسف واقفاً هناك، هو كان صديقاً لبيلاطس وللرب؛ لمعرفته أنَّهم كانوا مزمعين أن يصلبوه. تقدم إلى بيلاطس سائلاً إياه من أجل جسد الرب ليدفنه.“

إن هذا يختلف عن السرد الذي يقدمه يوحنا والذي يقول لنا أن يوسف قد أتى إلى بيلاطس بعد أن اُعلِنَ موت يسوع. (انظر يوحنا ١٩: ٣٣-٣٨). بالإضافة إلى هذا الإختلاف، نجد أن انجيل بطرس يصرّح بأنَّ بيلاطس قد طلب اذن هيرودس لكي يُعطي يوسف الجسد. هذا الأمر أيضاً سيعفي بيلاطس من أي مسؤولية مرتبطة بهذا الإعدام. لاحظ التصريح الوارد في العددين الرابع والخامس:

”أرسل بيلاطس إلى هيرودس سائلاً إياه من أجل جسده. وقال هيرودس:’أيها الأخ بيلاطس، حتى لو لم يطالب به أي شخص، كنا نحن لنقوم بدفنه وذلك لأن السبت قد اقترب. لأنَّه مكتوب في الناموس، ”لا تغرب الشمس على أي شخص قد أُعدِمَ‘“.

اختلاف كبير آخر في انجيل بطرس هو في شهادة أحد المُجْرِمَيْن على الصليب. إن هذا السرد يتوافق مع السرديات القانونية في أن يسوع قد صُلِبَ بين مُجرِمَيْن. إلا أنّ الحوار الذي دار على الصليب مختلف اختلافاً جذرياً. في السرد القانوني للوقا نجد أن أحد المُجرِمَين قد انتهر الآخر لأنَّه كان يُحقِّر المسيح. وعلى الرغم من أنَّ كل من متى ومرقس يسجلان وجود المُجرِمَين (متى ٢٧: ٣٨؛ مرقس ١٥: ٢٧)، فإنَّ لوقا هو الوحيد الذي سجل وجود حوار كلاميّ بينهم (لوقا ٢٣: ٣٩-٤٣). إن هذا الأمر فريد في انجيل بطرس لأنَّه لا يتبع سرد الأحداث الذي يدونه لوقا في الكثير من الأحيان. لا يمكن أن يتم احتساب هذا ”الإتصال النادر“ بين السردين نوعاً من التنسيق وذلك لأن واحدهما يناقض الآخر عوضاً عن تكميله. في الحقيقة إن المُجرِمَ في سرد انجيل بطرس لا يوبّخ المُجرِمَ الآخر، إنما يقوم بتوبيخ رؤساء المئات وجمهور الشعب. لاحظ ما يتم تسجيله في العددين الثالث عشر والرابع عشر:

”ثم وبخهم أحد المُجرِمَين قائلاً: ’نحن نُعذَّب لأجل شرورٍ عملناها، لكن هذا الإنسان، الذي أصبح مُخلصاً للبشر، ما هو الشر الذي فعله ضدكم؟ فحنقوا عليه وطلبوا ألا تُكسَر رجليه، لكي يموت بعذابات كثيرة.“

ليس من الواضح من خلال القواعد اللغوية، من كان الشخص الذي أشار إليه رؤساء المئات حين طالبوا بأن لا تُكسر رجليه. البعض قد يقول أنهم يشيرون إلى يسوع، والبعض الآخر يقول أنهم يشيرون إلى المجرم لأنَّه قد وبَّخهم على قرارهم الشرير في صلب المُخلِّص. قد يكون المعنى الأكثر وضوحاً من السياق النصي أن الإشارة هي إلى المجرم وذلك لأنه قد ”أثار غضبهم“. ولكنه من الممكن أيضاً أن ما حدث قد أثار حنقهم بشكل أكبر ضد يسوع لأن المجرم قد دعاه ”مُخلص البشر“.

يوجد تسجيل واحد في انجيل بطرس لكلمات يسوع على الصليب. وهذا الإختلاف هو أحد الإختلافات الشديدة الأهمية في مجمل المخطوطة. ينقل لنا العدد التاسع عشر أنَّه في وسط الظلمة ، صرخ يسوع ”’يا قُوَّتي، يا قُوَّتي لقد خَذَلْتِني‘ ولما قال هذا، أُخِذْ.“

إن هذا الإختلاف سينتج تغييراً في لاهوت السرد الإنجيلي بأكلمه. في متى ٢٧: ٤٦ نجد تحقُّقاً للمزمور ٢٢: ٢؛ وذلك حين يقاسي الإبن من الإنفصال عن الآب من خلال حمله للخطيئة. إن المعاناة قد دفعت يسوع ليصرخ:

”إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟“

إلا أنَّ انجيل بطرس يُعلمنا بأنَّ يسوع كان مُتألماً لأن قوَّته قد أُخِذَت مِنه. سيبقى بذلك المزمور ٢٢: ٢ دون تَحقُّق (اكتمال) وسيكون التركيز على المسيح الحامل للخطيئة بجسده غائباً بشكل كامل. لإثبات أن ما تقوله المخطوطة هو ”يا قُوَّتي، يا قُوَّتي“ أو ”قُوَّة، يا قُوَّتي“، سأقوم بوضع صورة للمخطوطة أدناه وهي تُظهر الكلمات اليونانية التالية: ”δύναμις μου, η δύναμις“.

إلى جانب هذا التناقض، يشير الدارسون إلى كون الجملة الأخيرة دليلاً على أنَّه إنجيل غنوصي. إن السطر الأخير يتحدث عنه على أساس أنَّه ”أُخِذَ“ عوضاً عن كونه قد أَسْلَمِ الروح. يُعلِّق فريدريك ف. بروس عن هذا الأمر:

”تظهر الدوستية في هذا السرد… في السرد الذي يتحدث عن موته. إنه يتجنب بعناية القول بأنَّه مات، مُفضّلا أن يقول بأنَّه ’أُخِذَ [رُفِعَ]‘ كما لو أنَّه - على الأقل نفسه أو ذاته الروحية - قد ’استُعيد‘ بشكل مباشر من الصليب إلى الحضرة الإلهية. (يجب أن نلاحظ صدى هذه الفكرة في القرآن). ثمَّ يتم تكرار صرخة التخلي (الهجران) بطريقة تفترض أنَّ قوَّته الإلهية، في تلك اللحظة، قد غادرت الهيكل الجسدي الذي اتخذته كمسكن مؤقَّت.“

يشكل السرد المتعلق بالقيامة أهمَّ اختلاف يقدمه انجيل بطرس. إن إحدى الممارسات الإعتيادية التي توجد في السرديات غير القانونية هي التركيز على تفاصيل الأحداث التي لم يتم عرضها في الأناجيل الأصلية الأربعة. هذا ما يجعل من هذه السرديات تحصل على وصفها بأنها سرديات ”ثانوية“ وغير أصلية. يجدر بنا أن نلاحظ أنَّ السرديات القانونية لا تقوم بتقديم تفاصيل دقيقة عن خروج يسوع من القبر أو ماذا سيبدو عليه الأمر للعودة من الموت إلى الحياة. لو أنَّ المسيحية تبحث عن التآمر لابتداع مُخلِّص قائم [من الأموات]، ألن تكون المحاولة المنطقية لهذه المؤامرة هي إلقاء الضوء على أهمّ لحظة في ديانتهم، أي القيامة؟ لكن هذا الأمر ليس هو الأمر الذي تقوم به الأناجيل القانونية! إنها تقوم وبكل بساطة بالإعتراف بالقبر الفارغ، الذي اكتُشِفَ من قِبَل عدد من أتباع يسوع الذين تشككوا حينها بقيامته، ومن ثمَّ ظهور يسوع بشكل جسدي بعد هذه الواقعة. ولكننا سنجد في انجيل بطرس نسخة عما يُزعم أنَّه كان ظهور يسوع بعد أن قام من القبر. تأمل في الأعداد من الخامس والثلاثين وحتى السابع والثلاثين:

”٣٥ بعد ذلك في أثناء الليل ومع بزوغ فجر يوم الرب، حين كان الجنود يقومون بحراستهم ضمن أزواج اثنان اثنان في كلّ نوبة، كان صوت عظيم من السماء؛ ٣٦ ورأوا السماوات مفتوحة، ومن هناك، نزل رجلان لهما نور عظيم، واقتربا من القبر. ٣٧ حينئذ ابتدأ الحجر الذي وُضِعَ على الباب يتدحرج من تلقاء نفسه، وفسح طريقاً؛ وفُتِحَ القبر ودخل الشّابان.“

نجد في هذه الآيات أن الحراس قد سمعوا صوتاً عظيماً من السماء، ثمَّ تبعه نزول شابّين من السماء، وقد كانا يرتديان ملابساً ذات نور. تدحرج الحجر بعد ذلك من تلقاء نفسه وأزيل بشكل كافٍ ليدخل الشّابان إلى الداخل. ولكن السرد الذي دوَّنه متى، ينقل لنا بأنَّ ملاك الرب نزل من السماء، ودحرجَ الحجر وجلس عليه (متى ٢٨: ٢). انجيل بطرس يقول لنا أنه خرج صوت عظيم من السماء، في حين أن انجيل متى يقول لنا أن زلزلة عظيمة قد حدثت (متى ٢٨: ٢). إن الإختلافات الموجودة في هذان السردان مثيرة للقلق. إلا أنَّ السرد الذي يقدمه انجيل بطرس يتابع في تقديمه لمعلومات عن مظهر يسوع حين خرج من القبر. يصرح سرد انجيل بطرس في الأعداد من الثامن والثلاثين وحتى الثاني والأربعين بالتالي:

”٣٨ وعندما رأى الجند ذلك، أيقظوا قواد المئات والشيوخ، لأنهم كانوا يساعدون في الحراسة أيضاً. ٣٩ وحين كانوا يصفون لهم الأشياء التي عاينوها، وإذ بهم يرون ثلاثة رجال خارجين من القبر، كان الشّابان يساندان الواحد، والصليب يتبعهم. ٤٠ ووصل رأسا الإثنين إلى السماء ولكن رأس ذاك الذي أخرجاه باليد وصل إلى ما بعد السماء. ٤١ وسمعوا صوتاً من السماء يسأل: ’هل بشَّرت أولئك الراقدين؟‘ ٤٢ وسُمِعَ ردُّ من الصليب يقول: ’نعم!‘“.

نرى في هذا المقطع كيف هرع الجند الذين كانوا يقومون بنوبة الحراسة إلى ايقاظ الشيوخ ليخبروهم عما رأوه. في حين أننا نجدهم في السرد الذي نقله متى خائفين ومرتعدين بأنهم صاروا كأموات (متى ٢٨: ٤). يوجد أيضاً العديد من السمات الموجودة في هذا السرد والتي تختلف في تفاصليها (على سبيل المثال، وجود بعض الشيوخ الذين كانوا ساهرين عند القبر، ذكر اسم قائد المئة، وسوى ذلك.) المشهد الذي يليه يصف كيف أنَّه أثناء محاولة وصف الحراس لما كانوا قد رأوه على الشيوخ وقادة المئات، خرج ثلاثة رجال من القبر. إن الوصف يقول بوجود شابّين يساعدان ”الواحد (يسوع)“، مع صليب يتبعهم. إن لم يكن الأمر غريباً بما فيه الكفاية حتى هذه اللحظة، فإن رأسي الشّابين كانا قد وصلا إلى السماء. والوصف التالي يتحدث عن رأس الرب الذي وصل إلى ”ما بعد“ السماء.

إذاً، لدينا يسوع العملاق خارج من القبر، يساعده شابّان، ويتبعهم صليب. وفي المشهد التالي يُقال لنا بأنَّ صوتاً سُمِعَ من السّماء يطرح سؤالاً. ولا يُعلمنا انجيل بطرس عن صاحب الصوت، ولكننا نعلم أنَّهُ قد سُمِعَ من جميع الحاضرين. كان السؤال المطروح هو: ”هل بشّرتَ الرَّاقدين؟“ لم يَرِدْ هذا السؤال في أي من الأناجيل القانونية، وكذلك هو الحال بالنسبة لوصف يسوع العملاق. إن السمة الأكثر إثارة للقلق في هذا السرد هي أنَّ من أجاب على السؤال لم يكن إنساناً أو ملاكاً؛ إنما كان الصليب هو الذي تكلم وأجاب ”نعم.“ يمكننا إذا أن نرى كيف أن السمات التي تميز هذا السفر هي ظهور يسوع العملاق والصليب الناطق.

الفارق الأخير الذي أود الحديث عنه هو ما حدث عند القيامة. لا نجد ظهورات في أورشليم سواء كان لمريم المجدلية أو بطرس أو أي من الرسل. الأمر الواضح هو أنَّه لا يوجد أي شخص قد رأى يسوع القائم من بين الأموات، ولم يوجد أي شخص قد اختبر الغبطة الناجمة عن القيامة التي نجدها في انجيلي لوقا ويوحنا. ويفترض أنَّ التلاميذ قد استعادوا إيمانهم بعد عدة أسابيع في الجليل وليس في أورشليم. لاحظ كيف أنهى انجيل بطرس السرد في الأعداد من السابع والخمسين وحتى الستين:

”٥٧ وكانت النسوة خائفات وهربنَ. ٥٨ وكان ذلك آخر أيام عيد الفطير، وكان العديد من الأشخاص في الخارج، عائدين إلى منازلهم إذ أنَّ العيد قد شارف على الإنتهاء. ٥٩ لكن نحن، تلاميذ الرب الإثني عشر، تابعنا في النوح والبكاء، وكل واحد منا قد حزن نتيجةً لما كان قد حدث، وعاد إلى منزله. ٦٠ ولكن أنا سمعان وأخي أندراوس، أخذنا شباكنا وانطلقنا إلى البحر؛ وهناك كان لاوي ابن حلفى الذي الرب …“

يوجد عدة أشياء يجب ملاحظتها في هذا السرد. أولاً، يوجد رد فعل مشابه لكون النساء قد غادرن مرتعدات بعد تلقيهنَّ لنبأ قيامة يسوع كما هو مسجل في مرقس ١٦: ٨. أما الأمر الثاني الذي يجب ملاحظته فهو سيغير من مسار السرد. نجد بعد ما سبق أن الجميع يعودون إلى بيوتهم تعساء محزونين. حتى أنَّ التلاميذ جميعهم قد عادوا كلَّ واحدٍ إلى بيته في حالة من الإحباط. ثالثاً. إن الكاتب يُعلن عن نفسه بأنَّه بطرس وذلك في العدد ستون. يوجد عامل مثير للإهتمام وهو أنَّه قد قام باحتساب اثني عشر تلميذاً، وكل من هؤلاء قد ذهب إلى بيته حزيناً ومكتئباً. إن هذا العدد يبدو أكبر من اللازم وذلك نظراً لحقيقة كون يهوذا الإسخريوطي قد شنق نفسه قبل أن تحدث واقعة الصلب (متى ٢٧: ٥). من المفهوم أن تتم الإشارة إلى المجموعة ككل باسم ”الإثني عشر“ كما حدث في رسالة كورنثوس الأولى ١٥: ٥. لكن هنا في هذا السرد، يبدو أن الكلمات تحمل أكثر من ذلك المعنى وذلك عند الأخذ بعين الإعتبار التصريح التالي ”وكل واحد منا… عاد إلى منزله“. لسنا متأكدين مما كان الكاتب على وشك أن يقوله عن لاوي (متى) أو ما إذا كانوا قد رأوا بشكل مطلق أيَّ ظهور جسدي ليسوع.

الخلاصة

بما النهاية لم تكن قد حُفِظَت بشكل سليم، فإنَّه من الصعب أن نجزم ما إذا كان هذا الإنجيل غنوصياً. بالإعتماد على القراءات الناجية، أنا لا أعتقد أن هذا إنجيل هرطوقيّ. لو أننا نمتلك المخطوطة الكاملة، فإن رأيي يمكن أن يتغير بسهولة. ومع ذلك، فإنَّ الأمر الواضح هو أنَّ هذا العمل ليس موحىً به فهو يحتوي على العديد من الأخطاء. إنَّه لا يمتلك المؤهلات المطلوبة للنموذج ذو المصادقة الذاتية للأسفار القانونية. أولاً، إنَّه لا يأتي من الرسل. إذ أنه لا يمكن أن يتم تتبعه إلى بطرس نفسه ومن الواضح أنَّه منسوب زوراً إليه. ونحن نعرف من خلال بابياس بأنَّ بطرس كان قد من وقف وراء انجيلِ مرقس، فإن كان هذا هو بطرس حقاً، فلماذا يوجد هذا الشرخ والإختلاف بين الروايتين؟ ثانياً، إنَّه لا يقوم بعكس صفات الله الكاملة مثل الدقة والوحدة. ثالثا، لم يتم قبوله من الكنيسة ككل وقد اختفى لمدة تتجاوز ١٢٠٠ عام.

أنا أتفق مع براون وإيرمان بأنَّ هذا المستند قد قام بإنشاءه شخص كان يكتب بالإعتماد على ذاكرته من التقليد الشفهي. من المؤكد أنَّ الناسخ (الكاتب) لم يقم بإظهار أي استهتار أو ازدراء بالرب في تسجيل النص اليوناني. وخلال السرد بمجمله نجد أنَّ ”الرب“ و ”الله“ قد تم تقديمها من خلال الأسماء المقدسة (Nomina Sacra). إن النسّاخ يقومون بهذا الأمر من منطلق الإحترام للأسماء المقدسة لله. إليكم مثال عن النومينا ساكرا ”الأسماء المقدسة“ في النص:

إن النومينا ساكرا أو الإسم المقدس ”الرب“ هو الكلمة اليونانية κυριον [كوريوس]. ويتم كتابة الحرفين الأول والأخير مع رسم خط فوقهما (كما هو مُشار إليه  في الرسم أعلاه). تجدر الإشارة إلى أنَّه لا يوجد في انجيل بطرس أي موضع يقدم اسم ”يسوع“ أو ”المسيح“ في المخطوطة الناجية. إنه يشير إليه دوماً  باستخدام ”رب“ أو ”ابن الرب“. إلا أنَّه قد دُعي يسوع في الإقتباس الموجود في رسالة اكليمندس الثانية ٥: ٢-٤ ولكن لا يوجد أي مخطوطة ناجية لتدعم هذه المعلومات.

قد يتساءل أحدهم قائلاً: ”لماذا نقوم بدراسة سفر مثل هذا؟ إن كان لا ينتمي إلى الأسفار القانونية، فهل يجب علينا أن نقوم بدراسة كتابات كهذه؟“ أنا أعتقد أنه يوجد ثلاثة أسباب تقف وراء وجوب دراستنا لهذه الكتابات. أولاً، إنها كتابات تاريخية، بغض النظر عن كيفية شعورنا تجاه محتوياتها، إنها تشكل مستنداً قد نجى من الماضي، والله برعايته قد سمح بدراسته. ثانياً، يوجد بعض التفاصيل في هذه الأسفار تُعلمنا عن الكثير من العادات والأماكن والميول التي كانت سائدة في تلك الأيام. في هذا الإنجيل، يقدم لنا الكاتب اسم قائد المئة الذي كان كان مُشرفاً على حراسة القبر. من غير المحتمل أن يكون الكاتب الأصلي قد اخترع اسماً مثل بترونيوس حين كان يقوم بتلقين هذا السرد. لكننا لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كان هذا اسمه حقاً، لكنه يقدم لنا خَياراً للدراسة والتفكير بالموضوع. ثالثاً، إن هذه الكتابات تساعد في إثبات أصالة الأناجيل القانونية. عند مقارنة السرديات الأربعة الأصلية مع السرديات المتعددة وغير القانونية، فإن ذلك يظهر حقاً مدى هيبة ووحدة كل من مرقس ومتى ولوقا ويوحنا بعضهم مع بعض، وذلك على الرغم من امتلاكهم لوجهات نظر مختلفة. يجب أن تدفعنا هذه الكتابات إلى الإبتهال والفرح بالأناجيل التي نمتلكها والتي صمدت أمام اختبار الزمن.

نعمة وسلام

الدكتور ستيڤن بويس