مغالطة ”شخصنة الجدل“
تمت تسمية هذه المغالطة بهذا الإسم اللاتيني الذي يعني ”إلى الشخص“ حيث أنَّ الجدل يوجه ضد الأشخاص عوضاً عن توجيهه ضد الجدلات التي يقدّمونها أو الأفكار التي يُدافعون عنها.
والمغالطة في هذا الأمر هي أن صلاحية الجدل لا تعتمد على الشخص الذي يُقدِّمه، إنما على حيثيّاته.
ويوجد نوعان من الشخصنة: وهما الشخصنة النديّة والشخصنة الظرفية.
- ”آد هومينيم الندّية [الشخصنة الندّية] - abusive ad hominem “
- ”آد هومينيم الظرفية [الشخصنة الظرفية] - circumstantial ad hominem “.
١- تحدث الشخصنة الندية حين يقوم المجادل بمهاجمة شخصية خصمه، عوضاً عن الرد على الإدّعاءات التي يقدمها كما في المثال التالي:
”المسيحيّون مسؤولون عن ارتكاب بعض الأعمال الوحشيّة؛ تأمل في الحملات الصليبيّة. فكيف تستطيع أن تُفَكِّر في اعتناق الإيمان المسيحي والدفاع عنه؟“
إن حقيقية كون بعض المسيحيّن في بعض الأحيان تصرفوا بطريقة خاطئة لا علاقة لها بموضوع الإيمان المسيحي والدفاع عنه (أي الرؤية المسيحية للعالم) فالإيمان المسيحي يُقيَّم بناءً على تعاليمه وليس بناءً على تصرفات بعض الأفراد الذين يدَّعون اعتناقه.
قد يعمد المجادل إلى مهاجمة شخصيّة الخصم أو الإساءة إليه في محاولة لإفقاده المصداقية أمام المستمعين. هذا النوع من الشخصنة شائع الإستخدام في السياسة، وهو مصمَّم للتأثير على المستمعين بشكل فلسفيّ. لكنه نوع من المغالطات إذ أن التهجم على السمات الشخصية للخصوم (أو ما ينقص الشخصية في بعض الأحيان) لا يمتلك أي علاقة منطقية بحقيقة الجدل المُقدَّم. حتى وإن كانت الإدعاءات السلبية التي يقدمها المجادل حقيقية (مثلاً إن كان الخصم قد أمضى وقتاً في السجن، أو أنَّه تهرب من دفع الضرائب)، فإن هذه الأمور لا علاقة لها بالموقف الذي يدافع عنه.
في بعض الحالات يتم استخدام الشخصنة النديّة في سبيل ثني الحاضرين أو المستمعين عن القبول بما يقوم الشخص بتقديمه. وهذا النوع من المغالطات يتم استخدامه غالباً في المناظرات الرسمية ويدعى باسم ”تسميم البئر“ على سبيل المثال قد يقول أحد المجادلين
”ان خصمي في مناظرتنا اليوم قد طلَّق ثلاث مرّات. فإن أخذنا هذا الجانب من شخصيته، لا أعتقد بأنّه يمكننا أن نثق بأي شيء يقوله.“
بالطبع إن المشاكل الزوجية لا علاقة لها بما تتناوله المناظرة (إلا في حال كان الموضوع يتناول الزواج، وحتى في هذه الحالة فإن وجود المشاكل الزوجية لا يجعل من الموقف الذي يتخذه الشخص خاطئاً). وبالتالي فإن هذا التهجّم خاطئ.
إنَّ الشتائم هي شكلٌ من أكثر الأشكال وضوحاً لمغالطة الشخصنة الندّية. الأمر يتشابه مع تصرف الأطفال حين يواجهون نوعاً من الخلافات المحتدمة فإنهم يلجأون إلى هذا النوع من السلوك.
لكن مع تقدمنا بالسن وبلوغنا الرشد فإنه من المنتظر أن نصبح عقلانيّين وأن نتعلم كيفية تقديم جدالات تعتمد على التفكير المنطقي السليم.
٢- أماالنوع الثاني وهو الشخصنة الظرفية فترتكب حين يتم رفض الإدعاءات نتيجةً للَزعم بأن الشخص الذي يقدم الإدعاء يقوم بذلك نتيجةً لظروف خاصة، عوضاً عن تقديم أسباب منطقية لرفض تلك الإدعاءات.
مثلاً ”أن تؤيد رفع أسعار المحروقات لأنك تعمل في محطة لبيع الوقود.“
لكن حتى في حال كانت الظروف قد تُحرِّك بعض الأشخاص للدفاع عن موقف معيّن، فإنَّ ذلك لا يعني بأن الموقف نفسه سيكون مغلوطاً، أو أن الجدل المُقدَّم عنه هو جدل سيّء. فإنه يجب أن يتم تقييم الجدل بناءً على حيثيّاته، وليس بناءً على الظروف الخاصّة بالشخص الذي يقدّمه.
على سبيل المثال قد يقول أحدهم، ”أنت تتبنى الإيمان المسيحيّ فقط لأنَّك قد ترعرت في أُسرةٍ مسيحيّة“
لا يوجد أي شك في أنَّ الأشخاص الذي ينشأون في أُسر مسيحية يمتلكون مَيْلاً لأن يكونوا مسيحيّين. لكن هذا لا يعني أنهم لا يمتلكون أسباباً خاصّة بهم للتمسك برؤيتهم للعالم.
”أنت تجادل دفاعاً عن الخلق فقط لأنك قد قرأت كتاباً عن الموضوع.“
ربما يكون الأمر صحيحاً، فقراءة كتابٍ يُظهر أهمية سفر التكوين قد يولّدُ دافعاً للتحرك والدفاع عن الموقف الخلقيّ. لكن هذا لا صلة له فيما إذا كان الخلق صحيحاً أم لا. فإنه يمكن لأي شخص أن يقوم بالمثل ويقول، ”أنت تؤمن بجدول الضرب الرياضي فقط لأن شخصاً ما قد قام بتعليمك إياه.“ إن هذا قد يكون صحيحاً لكنَّه لن يعني بأي شكل من الأشكال أن جدول الضرب الرياضي خاطئ.
يجب الإنتباه إلى كون بعض الإشارات إلى السمات الشخصية للفرد ليست ارتكاباً لمغالطة الشخصنة. على سبيل المثال، إن كان الشخص يقوم بالإدلاء بتأكيدات دون وجود أي جدل أو مبرر لها وفي الوقت عينه كان من المعروف بأن هذا الشخص غير صادق، فإنه الإشارة إلى هذه السمة الشخصية هي أمر مقبول وعلى صلة بالموضوع، فإن عدم أمانة هذا الشخص تدفع للتشكك بصدق ادّعاءاته إلا أنه من غير الممكن أن يتم اتهام الشخص بالكذب على قاعدة عدم الموافقة على الإدعاء الذي قدّمه - فإن هذا سيكون وقوعاً في مغالطة التماس المطلوب التي تمَّ تقديمها سابقاً.
كما أن الشخص غير الأمين قد يقول الحقيقة في بعض الأحيان. وفي حال قام هذا الشخص بتقديم جدل يبرر إدّعاءه، فإن عدم نزاهته المعروفة عنه لا علاقة لها بمدى صلاحية الجدل الذي قدّمه. (إذ أنّ الجدل يختلف عن التأكيد. حيث أنَّ التأكيد هو افتراض مسبق يتم التعامل معه على أنَّه من المُسلَّمات، في حين أن الجدل هو سلسلة من الإفتراضات بحيث تكون حقيقة كل منها مبنية على حقيقة الآخر. والمغالطات المنطقية تتعلق ”بسلسلة التفكير المنطقي“ بين الإفتراضات، وليس بمصداقية مقدم الإفتراضات. انظر إلى المقدمة للتمييز.) يجب التأكيد على أن الجدل يحاكم بناءً على حيثيّاته وليس بناءً على السمات الشخصية أو الظرفية لمُقَدِّمِه.
أمثلة إضافية عن مغالطة الشخصنة:
”إن كنت لا تؤمن بالتطور، أنت ستكون مجرّد شخص أحمق!“
”إن الخلقيين هم حقّأً غير مثقّفين؛ يجب ألا تتعب نفسك بالإستماع إليهم.“
”إن الأشخاص العاملين في مواقع الدفاع عن الخلق يقدمون هذه الدفاعات لأنهم إن لم يفعلوا فالنتيجة أنَّهم سوف يطردون من عملهم“
”أنت تؤمن بالله كنوع من العُكاز العلمي، فأنت تخاف من فكرة الوقوف وحيداً في هذا الكون، وبالتالي قمت باختراع صديق وهميّ.“
أي نوع من أنواع الخطاب الذي يزدري بالشخص الذي يقدم الجدل دون منطقٍ يدعمه هو ارتكابٌ لمغالطة الشخصنة