مغالطة التَشَّعُّب (التقليص الخاطئ)
تحدث حين يتم تقديم خيارين أو عدد محدد من الخيارات على أنها الخيارات الوحيدة والحصرية، في حين أنه يوجد بالفعل خيارات أُخرى وهي الصائبة. ولهذا السبب تُدعى هذه المغالطة باسم ”المعضلة الخاطئة“ أو ”مغالطة إما أو“.
أحد الأمثلة المشهورة هو التالي: ”إما أن تكون إشارة المرور حمراء أو خضراء“ والأمر الواضح هو أنَّ هذا المثال يعتمد على مغالطة التشعب. إذ أن إشارة المرور يمكن أن تكون صفراء.
في علم المنطق إن كون إشارة المرور حمراء أو خضراء هما حالتان مختلفتان أو متعاكستان إلا أنهما ليستا حالتان متناقضتان.فالإختمالان المتناقضان هما الإحتمالان الذان يكون الواحد منهما خاطئاً في حال كان الآخر صحيحاً. وأي تصريح يمكن أن يتحول إلى نقيضه من خلال إضافة أداة النفي ”ليس“ وبذلك يكون التصريحان ”الضوء أحمر“ و”الضوء ليس أحمر“ تصريحان متناقضان. ولكن في حالة التصريحان المختلفان فإنه من الممكن أن يكون التصريحان خاطئان معاً، أو صحيحان معاً.
ولنأخذ الآن مثالاً واقعياً:
”إما أن تمتلك إيماناً أو أن تكون عقلانياً.“
إن هذا التصريح يرتكب مغالطة التشعب، وذلك بسبب وجود احتمال ثالث: وهو أننا نستطيع أن نمتلك إيماناً ونكون عقلانيين في الوقت عينه. (كما إن إردنا أن نحلل قوانين المنطق.)
مثال آخر
”إما أن يُدار الكون بطريقة تعتمد على قوانين تحكمه أو أن يكون الله يتدخل ويصنع المعجزات بشكل مستمر.“
هذا أيضاً مثال عن مغالطة التشعب، لأنه يوجد احتمال ثالث حيث أنَّ الكون يُدار بشكل شبه قانوني حيث يوجد قوانين تحكمه معظم الوقت، كما أن الله بين الفينة والأخرى يقوم بإجراء معجزات.
في بعض الأحيان يتم عنونة الجدل حول الأصول باستخدام عنوان كالتالي ”الإيمان في مواجهة المنطق“ أو ”العلم في مواجهة الدين“ أو ”الكتاب المقدس في مواجهة العلم“ إلا أن هذه كلها تعتمد على مغالطة التشعب بطريقة أو بأخرى. إذ أنَّ الإيمان والمنطق ليسا متناقضين. إنما يسيران بتوافق كامل مع بعضهما البعض (إذ أن المنطق يفترض بشكل مسبق وجود نوع من الإيمان إن الإيمان هو الإعتقاد والتصديق بما لم يتم معاينته باستعمال الحواس (كما يرد في الرسالة إلى العبرانيين ١١: ١). ففي سبيل استخدام المنطق يجب أن يؤمن الشخص بقوانين المنطق أولاً. إلا أن قوانين المنطق لا تمتلك أي كيان مادي حتى تتم معاينتها باستخدام الحواس. وبالتالي فإن الإعتقاد بوجود قوانين المنطق هو نوع من أنواع الإيمان. إضافة إلى ذلك فإن قوانين المنطق تمتلك مبررّاً عقلانياً فقط في ضوء الإيمان المسيحي.)
بطريقة مشابهة، فإن العلم والدين (الإيمان المسيحي على وجه التحديد) ليسا بديلين متناقضين. في الحقيقة إن المسيحية هي الوحيدة التي تستطيع تقديم تفسير لوجود انتظام الطبيعة وهو الأمر الذي يجعل من اجراء البحث العلمي أمراً ممكناً.
والأمر أيضاً أن المناظرات أو الجدالات لا يجب أن يتم عنونته باستخدام ”الكتاب المقدس في مواجهة العلم“ إذ أن المناهج العلمية تتفق بشكل كامل مع الكتاب المقدس. في الحقيقة إن العلم يُبنى على الرؤية التوراتية للعالم؛ فالعلم يتطلب وجود القدرة على الإستقراء وهذا الأمر ممكن فقط من خلال حقيقة أن الله يدير الكون بطريقة متسقة ومناسبة للبشر حتى يكونوا قادرين على فهمه. وهذا النوع من قابلية التوقع لا معنى له في ظل الكون المبني على المصادفة البحتة.
قد تكون مغالطة التشعب صعبة الرصد في حال لم يقدم الشخص مجرد احتمالين إنما قام بتصريح يؤكد ذلك، ”أنا لا أستطيع أن أحيا بالإيمان لأنني شخص عقلاني.“ إن هذه العبارة هي سقوط في مغالطة التشعب إذ أنها بشكل فنّي تقوم بالإشارة إلى وجود إحتمالين وحيدين هما إما أن نحيا وفق الإيمان أو بطريقة عقلانية، إلا أن هذان ليسا الخياران الوحيدان. فالشخص العقلاني لا بد أن يمتلك درجة معينة من الإيمان. لذلك فالشخص المسيحي يتخذ خياراً ثالثا غير مذكور في التصريح: وهو الإيمان العقلانيّ. لنكون أكثر دقّة يجب أن نقول ”العقلانية بسبب الإيمان.“ إذ أنَّ الإيمان المسيحي هو ما يجعل من العقلانية أمراً ممكناً.
” الكتاب المُقدَّس يقول أنَّه في المسيح جميع الأشياء تقوم معاً (كولوسي ١: ١٧) لكننا نعرف أن قوى الجاذبية والطاقة الإلكترومغناطيسية هي ما يقيم الكون بشكل متماسك.“
إن هذا مثال عن مغالطة التشعب إذ أنَّ المعترض قد افترض التالي إمّا أنَّ (١) الله يقيم الكون بعضه مع بعض (٢) أو أن قوى الجاذبية والطاقة الكهرومغناطيسية هي ما يقيم الكون بعضه مع بعض. إلا أن هذان الخياران ليسا الوحيدان. حيث أنّ ”الجاذبية“ و”الإلكترومغناطيسية“ هي الأسماء التي نطلقها على الطريقة التي يقيم فيها الله الكون بعضه مع بعض. فقوانين الطبيعة ليست بديلاً لقدرة الله. إنما هي أمثلة عن قدرة الله. وإلاـ فإنه لن يوجد أي سبب مقنع للإعتقاد بأن قوانين الطبيعة تنطبق في جميع أرجاء الكون أو أنها ستنطبق في المستقبل كما انطبقت في الماضي. وحده المسيحي الملتزم بتعليم الكتاب المقدس قادر على تقديم تبرير عقلاني لهذا النوع من الإنتظام في الطبيعة.
”يجب عليك ألا تؤمن بأن الله سوف يستجيب لِطَلِبَاتِكَ للشفاء؛ وإلا فإنه ليس من داع للذهاب لزيارة الطبيب.“
هذا ارتكاب لمغالطة التشعب من خلال افتراض أنه لا يوجد إلا واحد من الخيارين، فإما أن الطبيب سيساعد الإنسان المريض أو أنَّ الله سوف يفعل. لكن لماذا لا يوجد خيار يقول بجمع الإثنين؟ فالله قادر على استخدام البشر لإتمام مشيئته؟
ومن جانب آخر فإنه يوجد بعض الحالات التي يوجد لها احتمالين اثنين فقط؛ ولن يكون القول بها ارتكاباً لمغالطة التشعب. كما لو قلت ”إما أن سيارتي متوقفة في المرآب أو أنها ليست كذلك.“ لا يوجد في هذا التصريح أي مغالطة. وكذلك حين قال يسوع المسيح ”من ليس معي فهو عليَّ“ (متى ١٢: ٣٠)، لم يرتكب مغالطة التشعّب لأن الله في موقف يستطيع أن يقول لنا أنه ليس من خيار ثالث (”حيادي“)، (إن محاولة اتخاذ موقف حيادي تجاه الله هو ارتكاب للخطيئة وبالتالي فإنه ليس بموقف حيادي.) إن أفكارنا يجب أن تكون في طاعة المسيح (٢كورنثوس ١٠: ٥). وحين يحاول المجادل أن يتخذ موقفاً حيادياً فإنه يرفض أن يطوِّع أفكار للمسيح. وبالتالي فإن موقفه هذا هو موقف معارض للمسيح وعليه فهو ليس بموقف حيادي.
إن المفتاح الذي يمكننا من كشف مغالطة التشعب هو الإنتباه للحالات التي يتم فيما تقديم خيارين محدودين (إما بشكل صريح أو بشكل ضمنيّ) والتفكر حول ما إذا كان من خيار ثالث أم لا.
أمثلة عن مغالطة التشعب:
”إما أن يكون التطور صحيحاً أو أن كل ما نعرفه عن الكون سيكون خاطئاً.“
”إما أن يكون لديك أسباب لما تعتقد به أو أنك تتخذه ببساطة بالإيمان“
”أنا لا أستطيع أبداً أن أكون مؤمناً بالخلق، لأنني شخص عقلاني“ [إما أن تكون شخصاً عقلانياً أو أن تؤمن بالخلق]
”إما أن تؤمن بأن الكون يدار من خلال قوانين الطبيعة أو أو تؤمن أن الله يديره بسلطانه؟“
”هل يقرر الله أعمالنا وتصرفاتنا، أو أننا نمتلك حرية حرية الإختيار؟“